بسم الثالوث الاقدس
نحن في زمن يتميز بالسرعة. كل ما فيه سريع: توجد سرعة في تلاحق الأحداث. وسرعة في تناقل الأخبار. وسرعة نتيجة للمخترعات الحديثة مثل الإنترنت. والفاكس وال Mobile Phone. والكمبيوتر. وحتي في الطيران وُجدت السرعة التي توصل إلي القمر والمريخ. وسرعة طائرات ال Concorde. وفي الماكينات توجد سرعة: سرعة في الإنتاج. وسرعة في المطابع وفي استخدام الآلة الكاتبة.
وكثيرون جرفهم تيار السرعة في كل مجالات حياتهم. ونتيجة لكل ذلك. يقف البعض أمام سؤال هام: هل من الصالح الإسراع أم البطء. والبعض يقول هناك فرق بين السرعة والتسرع. وبين البطء والتباطؤ..!
والسؤال مازال موضع حوار. ونود هنا أن نوضحه...
***
نقرأ لأحد الشعراء يشجع علي التروي والتأني فيقول:
قد يدرك المتأني بعض حاجته .. وقد يكون مع المستعجلِ الزللُ
ولكن هذا الرأي لا يعجب شاعراً آخر. فيرد عليه قائلاً:
وكم أضر ببعض الناس بطؤهمو .. وكان خيراً لهم لو أنهم عجلوا
وهكذا بقي الأمر كما هو موضع حيرة: هل نبتّ في أمر بسرعة. أم من الأفضل التأني والتروي؟ ... فما هو الحل؟
لا شك أن كثيراً من الأمور لا يمكن أن تقبل التباطؤ
وقد يكون البطء فيها مجالاً للخطر والخطأ. ويحسن فيها الحزم والبتّ السريع.. وسنضرب لذلك أمثلة:
***
فمثلاً لا يصح أن يتباطأ إنسان في التوبة:
لأن كل وقت يمر عليه في الخطيئة. إنما يزيد عبوديته لها. ويحوّل الخطأ إلي عادة. وقد يحوّل العادة إلي طبع. وربما يحاول الخاطئ فيما بعد. أن ينحل من رباطات شهواته فلا يستطيع. أو قد يستطيع أخيراً بمرارة وصعوبة وبعد جهاد مميت. وكل ذلك لأنه أبطأ في التوبة وفي معالجة أخطائه..
فالذي يتباطأ في اقلاعه عن التدخين أو شرب الخمر. قد يتحول كل منها إلي إدمان يجاهد في
علاجه إن جاهد ويصعب الأمر عليه...
***
وبالمثل التباطؤ في معالجة الأمراض الجسدية والروحية:
فالمرض إذا تباطأنا في علاجه. قد ينتقل إلي مراحل من الخطأ يصعب فيها العلاج أو يستحيل. وبالمثل في وسائل التربية. حيث يؤدي التباطؤ في تقويم الطفل أو الشاب إلي إفساده. وصدق الشاعر الذي قال:
إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت .. ولا يلين إذا قوّمته الخشبُ
سهل عليك أن تصلح تصرفاً سيئاً في طفل. فإذا شبّ علي ذلك وكبر. يكون من الصعب معالجة ذلك فيه. وقد تحوّل إلي عادة أو طبع.
***
المسائل التي قد تتحول إلي خطر. تصلح لها السرعة بل تجب:
كإسعاف مريض. أو انقاذ غريق. أو اطفاء حريق...
لذلك فسيارات الإسعاف. وسيارات المطافئ. يُفسح لها الطريق لتسير بسرعة. حتي لو أدّي الأمر إلي مخالفة إشارة المرور. لأن سرعتها لازمة لانقاذ نفس إنسان أو عدة نفوس. وفي بعض بلاد الغرب يُوجد لها طريق جانبي يسمي Shoulder تجتازه بحرية. وكذلك بعض سيارات الشرطة..
أما باقي السيارات فالسرعة الزائدة فيها خطأ. وهو ضد قواعد المرور.
ولذلك فإن صاحب السيارة قد يقول للسائق ذلك المثلامشِ علي مهلك. لكي نصل بسرعة! أي لكي نصل بدون حوادث تعطلنا...
***
أيضا هناك مواقف تُمتدح فيها السرعة. وكأنها فضائل أو مزايا:
مثل السرعة في الفهم. وسرعة البديهة في الرد السليم. والسرعة في الطاعة. والسرعة في التشهيلات وتيسير الأمور. والسرعة في التصرف قبل فوات الفرصة. وكذلك السرعة في التصالح. والسرعة في تنفيذ الوعود. والسرعة في الوفاء بالنذر. وفي رد الديون. وما أشبه...
كذلك السرعة التي فيها حزم وَبتّ سريع. قبل أن تتطور الأمور إلي اسوأ. وقبل أن يسبق السيف العزل. ومثل هذا الحزم يحتاج إلي تصرف سريع قد يكون مؤلماً. ولكنه في نفس الوقت يكون لازماً وحاسماً. بقدر ما يكون سريعاً وحازماً...
وهناك علاقات ضارة. وصداقات معثرة. ينبغي أن تؤخذ من بادئ الأمر بحزم. كذلك قد توجد اتجاهات فكرية مخربة. أو اتجاهات سلوكية منحرفة: إن لم يسرع المجتمع في التخلص منها. فقد تقاسي من التباطؤ في علاجها أجيال وأجيال...
***
كذلك من الأمور التي تلزمها السرعة: الإغاثة
سواء إغاثة الفرد المحتاج. أو إغاثة المجتمع بالاصلاح المنشود.. ومنها السرعة في نظر الشكاوي. والسرعة في إنصاف المظلوم. والسرعة في إعطاء كل ذي حق حقه. والبعد في الإدارة عن أمور الروتين. وعدم ترك صاحب الطلب ينتظر طويلا حتي يُنظر في أمره..
وقد كتب في أمثال سليمان الحكيملا تمنع الخير عن أهله. حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك اذهب وتعالَ غداً لاعطيك. وطلبه موجود عندك... بل إن المرتل يصلي في المزمور ويقولاللهم التفت إلي معونتي. إسرع وأعني. ويطلب السرعة في الاستجابة.
***
تكلمنا عن المجالات التي تلزم فيها السرعة. ونتحدث الآن عن المجالات التي يحسن فيها التأني والتروي. فنقول.
ليست أفضل الحلول هي أكثرها سرعة. إنما أفضلها هي أكثرها إتقاناً..
فالسرعة ليست هي مقياس الأفضلية. إنما الأفضلية في الاتقان.. ولنأخذ مثالاً لذلك في الكلام والغضب. إذ يقول الكتاب المقدس: ليكن كل إنسان مسرعاً إلي الاستماع. مبطئاً في التكلم. مبطئاً في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله. حقاً. إن التباطؤ في الغضب هو فضيلة سامية. لأن الذي يُسرع إلي الغضب. قد يصل إلي الاندفاع. وفي اندفاعه قد يفقد سيطرته علي أعصابه. بل قد يفقد السيطرة علي سلامة تفكيره أيضاً. فيخطئ...
***
لذلك احذر من أن تأخذ قراراً حاسماً في ساعة غضبك...
لئلا بذلك تضر نفسك. أو تضر غيرك... إنما حاول أن تهدئ نفسك أولاً. ثم بعد ذلك فكرّ وأنت في حالة هدوء... أو تباطأ وأجّل الموضوع إلي أن تهدأ... فالقرارات السريعة التي تصدر في حالة غضب. تكون في غالبيتها عرضة للخطأ.
أما التباطؤ فيعطي فرصة للتفكير والدراسة والفحص...
قد يطلق إنسان امرأته. إن أسرع باتخاذ القرار في ساعة غضب!
وقد يفقد أعز اصدقائه. وقد يتخلي عن عمله. وربما يهاجر من وطنه.. كل ذلك لأنه أخذ قراراً سريعاً في ساعة انفعال. ولم يعطِ القرار ما يلزمه من الفحص والتدقيق
هذا المقال لقداسة البابا شنودة الثالث حفظ اله لنا حياتة وادام لنا رئاسة كهنوتة
صلوا من اجل ضعفى