القديس كيرلس الأول، الملقب بعامود الدين، هو ابن أخت البطريرك ثاوفيلس (البطريرك الثالث والعشرون للكنيسة القبطية). قد ولد في مدينة الإسكندرية، وأتم دراساته العلمية واللاهوتية في مدرستها اللاهوتية المشهورة. ثم أقام بدير القديس مكاريوس بوادي النطرون (بالصحراء الغربية) لمدة خمسة سنوات حيث أتم دراساته في الكتاب المقدس والعلوم الكنسية على يد الراهب سيرابيون المتضلع في هذه المواضيع. رُسم قسا بعد عودته إلى مدينة الإسكندرية. وقد أنتخب في أكتوبر 412م ليخلف البطريرك ثاوفيلس بعد وفاته، فأصبح البطريرك الرابع والعشرين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
دافع بلا كلل عن مبادئ الإيمان الأرثوذكسي، وخاصة ضد البدعة النسطورية. إذ أن نسطور، أسقف مدينة القسطنطينية، جدف على السيد المسيح بادعائه أن السيد المسيح شخصين__شخص إلهي يسكن شخصا بشريا. فند ودحض كيرلس الإدعاءات النسطورية، ودافع عن العقيدة الأرثوذكسية التي تعلم أن الطبيعة الإلهية اتحدت بالطبيعة البشرية في شخص السيد المسيح بدون اختلاط وبدون امتزاج وبدون تغيير لأي من الطبيعتين.
أمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني بعقد المجمع المسكوني الثالث في عام 431م في مدينة أفسس لمناقشة ادعاءات البدعة النسطورية. شارك في مداولات هذا المجمع مائتين أسقفا تحت رئاسة القديس كيرلس. رفض واستنكر المجمع تعاليم البدعة النسطورية، وحكم بحرم وعزل نسطور من الكنيسة. أدت بعض المؤامرات إلى سجن كيرلس لمدة وجيزة عاد بعدها إلى الإسكندرية. وقد انتقل إلى عالم الخلود في 27 يونيو 444م وهو يبلغ من العمر 67 سنة. يحتل القديس كيرلس الأول المرتبة الثانية بعد القديس أثناسيوس الرسولي في الدفاع عن العقيدة الصحيحة للإيمان الأرثوذكسي.
للقديس كيرلس مؤلفات كثيرة. حتى عام 428م ركز في كتاباته على دحض البدعة الأريوسية. بعد ذلك، ركز على تفنيد البدعة النسطورية. مؤلفاته معروفة بعمق الفكر والدقة ووضوح المنطق. كما أنه أصدر دراسات في تفسير بعض أسفار العهد القديم والعهد الجديد للكتاب المقدس.
من مؤلفاته التي تدحض البدعة النسطورية خمس كتب ضد نسطور، وعن الإيمان الصحيح (ثلاثة أبحاث)، وإثنى عشر حرما ضد نسطور ودفاعه عنها. كما أنه أصدر مؤلفا كبيرا (30 كتابا) يفند ادعاءات يوليانوس الوثني التي نشرها في كتابه ضد الجليليين في 363م. وقد كتب كثيرا من الرسائل والمواعظ.