*** لماذا الجنس فى الانسان ؟ ***
ان الله قد انعم على الانسان بالحياة حتى يشبع الانسان بالله , ويتمتع بحضرته , ويتهيأ تدريجيا للآتحاد به ...
فلماذا اذن خلق الله الجنس فى الانسان ؟ .....
لقد خلق الله الملاك كائنا عاقلا له حرية الارادة , ولكنه ليس على صورة الله ... ولم يخلق الله من الملائكة ذكورا واناثا , اى لم يخلق الجنس فى طبيعة الملائكة ...
وخلق الله الحيوان كائنا غير عاقل , وخلق فيه الجنس من اجل غرض واحد هو النسل الذى يحمل معنى عدم فناء النوع ....
فماذا عن الجنس فى الانسان ؟...
هل كان من الافضل لو خلق الله الانسان بلا جنس كالملائكة ؟ ...
وهل خلق الله الجنس فى الانسان لذات الغرض الذى من اجله خلق الجنس فى الحيوان ؟
ان الانسان هو اعلان عن بهاء الله لكونه مخلوقا على صورته فى العقل والارادة والقدرة على الحب المعطاء الباذل , وقد وهبه الجنس كأحد خصائصه الانسانية الاساسية ...
فالانسان هو تاج الخليقة , وهو الكائن الوحيد الذى يجمع فى داخله امتزاج المادة بالآلوهية ....
فهو ملتقى لما هو مادى بما هو الهى , وهذا سبب تفرده بين الخليقة كلها, الذى فيه الطبيعة المادية - اى الجسم بوظائفه الحيوية - والطبيعة الالهية - اى النفخة الالهية التى تعطيه الحياة - وامكانية الحضور والتفاعل والتجاوب والارتباط به داخليا ...
واذ يتقدم الانسان الى الله بكل كيانه , يرى فيه الله الخليقة كلها تتجمع وتتقدم نحوه بالشكر والفرح .. ولكى نفهم الهدف من وجود الجنس فى الانسان نعالج الافكار التالية :-
اولا : ماهو دور الجنس فى الكيان الانسانى ؟
-------------------------------------------------------
الجنس فى الانسان ليس طاقة بيولوجية بحتة كما هو الحال فى الحيوان , وانما هو طاقة نفسية جسمية " كيانية " تعمل فى كل الكيان الانسانى , حتى تساعده على الخروج عن ذاته الى الاخر كى يتحد به ...
فهو اذن طاقة حب اتحادى تتجلى فى وجود الاخر ...
فاذا كان هذا الاخر يعنى مبدئيا الفرد من الجنس الاخر " الاخر النسبى " فهو يعنى نهائيا الله " الاخر المطلق " كما سنوضحه فيما بعد ...
والجنس فى الانسان مندمج فى الشخصية , ولا يمكن فصله عنها , اذ انه يلازم الفرد منذ مراحل نموه الاولى , وينمو مع نمو الطفل النفسى والجسمانى حتى مرحلة البلوغ ويظل موجودا حتى فى مرحلة الشيخوخة , لذا فمن المحال فصل الطاقة الجنسية عن كيان الفرد , لانه لا يمكن انكار وجودها فى عمق الكيان الانسانى , او التقليل من اهميتها القصوى فى حياة الانسان ...
والطاقة الجنسية فى الانسان لاتقف عند حد وظيفة التناسل كما هو الحال فى الحيوان لانها فى الواقع طاقة حب جبارة تدفع بالفرد الى الانفتاح على المجتمع , وتخرجه من العزلة والانانية , فيتفاعل مع من حوله من البشر , ويؤدى وظيفته الاجتماعية على اكمل وجه ..
ولذلك اعتبر " فرويد " مؤسس مدرسة التحليل النفسى الطاقة الجنسية مصدر كل محبة وتعاطف وحنان ومودة , واعتبرها اصل الميل الطبيعى لمداعبة الكبار للآطفال والانجذاب نحوهم , واصلا لكل انواع الحب سواء الحب الجنسى " بين الرجل والمرأة " او الحب الاسرى بين افراد الاسرة والاقارب " وحتى حب الذات " ..فهى تتشكل بكل انواع الحب ولا تنحصر فى شكل العلاقة بين الرجل والمرأة ...
والطاقة الجنسية ايضا دافعة الى الخلق والابتكار والابداع والطموح الانسانى, بدليل ان المرضى الذين يعانون من توقف الغدد الجنسية عن العمل منذ الطفولة يكونون فى الغالب غير طموحين ولديهم ضعف فى القدرة على الابداع والنشاط الخلاق ...
ثانيا : الجنس فى الانسان له مسحة الهية
---------------------------------------------------
ففى جوهر الثالوث القدوس كائن الحب منذ الازل , وقائم الاتحاد بين اقانيمه بسر لا ينطق به واعلى من ان يصل اليه فكر بشر , فأن كان الله قد خلق الانسان على صورته فى العقل والارادة والحرية والخلود , فقد جعله صورته ايضا فى الحب الاتحادى الذى يبلغ ذروته فى اتحاد الثالوث القدوس ...
واذا كان الانسان قد خلق ولديه امكانية الحب والاتحاد , فكيف يتحقق هذا الحب والاتحاد ويصير ملموسا فى حياته ؟ ...
ان امكانية الحب فى وجود الاخر تؤدى الى تجلى هذا الحب ونموه بسب التفاعل السوى بين المحب والمحبوب .. اما امكانية الاتحاد بهذا ال الاخر فهو يؤدى الى ان يصير المحبان كيانا متكاملا ...
لقد خلق الله الانسان ذكرا وانثى وباركهما , وحسن ذلك فى عينيه جدا لان اتحاد الرجل والمرأة من خلال الحب الحقيقى يعلن بكل وضوح صورة الله على الارض ...
فالله اوجد الجنس فى الانسان لكى يحقق به اسمى درجات الحب بين البشر , ولكى يدخل الحب فى الكيان الانسانى , ذلك الحب الذى هو من قبل الخليقة كان موجودا كائنا فقط بين الاقانيم الثلاثة , الذين فيهم يتجلى الحب الكامل والاتحاد الكامل ...
هذا سر عجيب , ان الله اراد ان يكشف لنا حقيقة الحب فى الثالوث القدوس بأن يطبع صورة ذلك الحب الالهى فى الكيان الانسانى فينتقل الحب الى طبيعة البشر , فيعرفون معناه , ويختبرون قوته , وبذلك تصبح الحياة الانسانية ظلا للحياة الالهية على الارض ...
ولكى يتحقق ذلك , كان مناسبا ان توهب للآنسان طاقة حب اتحادى , تلك التى يطلق عليها تعبير " الطاقة الجنسية " ...
من هذا نفهم ان اتحاد الرجل والمرأة بالحب الحقيقى , كما رتبه الله منذ البدء , يجعلنا امام كائن انسانى فيه ظل - ولو باهت - من الثالوث القدوس المتحد بالحب منذ الازل .. وفى هذا يقول القديس ثيئوفيلوس الانطاكى " لقد خلق الله ادم وحواء ليحقق الحب الاكبر بينهما , عاكسين سر الوحدة الالهية " ... ويشرح احد المفكرين هذا القول قائلا " الحب يحقق اذن فى وحدة المحبين صورة الثالوث , فيصبح المحبان ايقونة الله .. فالحب الاصيل هو موضع لتجلى الله ...
فما سبق ندرك ان الله وهب الطاقة الجنسية للآنسان حتى يتحقق الله من خلال صورة الحب الاتحادى الكائن فى الطبيعة الالهية , لتصير حياة البشر انعكاسا للحياة الالهية , ويصير الحب والاتحاد كما فى السماء كذلك على الارض ...
وذلك يتحقق بأتحاد عنصرى , اى خلق الله الانسان من فردين .. الرجل فردا , والمرأة فردا .. ويتكامل الانسان بأتحادهما ويصيران كيانا واحدا .