اذكرينا أمام الربكانت دائما تتكلم مع يسوع وهي تعاين نوره وجماله وذات ليلة بينما تتكلم معه أثناء نومها وزوجها يسمعها قال لها "عايزك يا فوزية وانت مع يسوع تذكرينا علشان يعيننا ويقوينا ويرحما" فأجابته "طبعا ها أذكركم" ثم يعود ويقول لها "يعنى ده وعد" فتجيبه هي "إلا وعد يا أنسى هو أنا لي عمل معاه غير كده، وهيكون كده دائما لما أكون معاه هناك"
ثم يقول لها "أصلك ها تكوني مشغولة بيه وبجماله" فتجيبه "و أنا من ضمن مشغولياتى بيه انى أذكركم واحد واحد". ثم تتأوه بأنين الوجع الشديد وتقول "آه .. آه الوجع شديد خالص، لكن كفاية يا يسوع انى شايفاك انك معايا، ده يعزينى ويفرحنى ويجعلني استحمل كل شئ.
بالآلام تكثر التعزياتو في ليلة أخرى بعد إعطائها حقنة المخدر والمنوم وفيما هي بين النوم واليقظة قالت "أنا النهارده فرحانة بيه هو وبالنعيم اللي أنا فيه، النهارده اكثر يوم فيه الألم شديد وزي ما انت عارف يا أنسى اكثر يوم أخذت فيه حقن مسكن. لكن كمان المسيح النهارده اكثر يوم يحوطني فيه وفرحني بشخصه علشان يعوض ألمى. أنا فرحانة بيه هو، أنا عملت ايه من الخير علشان استاهل يورينى النعيم ده كله بعينى وأنا حية مش عارفة أشكره ازاى مهما شكرت مش كفاية، النهارده فيه وجع زيادة لكن كمان فيه حب زيادة علشان كده أنا فرحانة بأوجاعي وحاسة بإيديه الاثنين ، دى مراحم فوق الوصف ، الحمد للـه حقيقي.
نوره أشرق لمختاريهو ذات ليلة نادت على زوجها قائلة "شايف يا أنسى النور الهايل اللي مالى الأوضة ده؟ غريبة خالص، ده أنا دايما أقول لك إن عيوني مش قادرة على نزر الكهرباء حتى ولو ضعيف، اشمعنى النور ده قادرة اشوفه ومبسوطة بيه وعيوني مرتاحة له؟ صحيح نور قوى لكنه مريح وحلو خالص.
(حقا يا حبيبتنا إنه نور الإله الذى تجلى قديما أما تلاميذه وها هو الآن يظهر لك بصيص من مجده فان كان ذلك وانت بالجسد فياترى ماذا ترين الآن وانت معه في الفردوس؟)
كانت دائما تقول لمن حولها "ليه تتألموا وتنزل دموعكم وتزعلونى؟ إذا كنت أنا فرحانة بأوجاعي علشان بأشوف فيها المسيح وأمجاده ليه انتم تزعلوا؟
و أمام هذه التعزيات السمائية كانت تشتهى أن تقسو الالام اكثر واكثر حتى تنعم بالمزيد من النعم الإلهية والكاشفات الروحية وكانت تقول لزوجها "يا أنسى خذها قاعدة اليوم اللي تلاقيني فيه تعبانة زيادة افرح لي لأنه مفرحنى زيادة بطرق ما أقدرش أوصفها أو اعبر لك عنها.
معونة السيدة العذراءو في شهور مرضها الأخيرة كانت تتجلى لها أم النور كثيرا حتى تعزيها وتخفف عنها الآمها وتصد عنها ضربات الشياطين الأعداء وكانت كثيرا ما تصف العذراء وجمالها وفستانها السماوى.
و في ذات ليلة حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل أيقظت زوجها وهي تقول له "يا أنسى أوعى تخاف من حاجة، كل اللي أنا شايفاهم بره الأوضة" ويرد عليها "مين دول؟" فتجيبه "الجماعة الكتار قوى اللي شكلهم مفزع ولونهم أسود وطوال خالص، شايفاهم متزاحمين علشان يدخلوا علينا، محدش ها يقدر يدخل منهم طول ما الست الجميلة دى اللي واقفة لنا على طول ، شايفها يا أنسى أد إيه جميلة ولابسة فستان سماوي حلو وخفيف ووشها منور ومادة ايدها على الباب وتصدهم، أشكرك يارب علشان انت اللي بتحمينا صحيح".
(و من تكون هذه السيدة النورانية غير فخر جنسنا والدة الإله؟ الآن قد عرفت معنى صلاة الأجبية "و عند مفارقة نفسي من عندي احضري عندي ولمؤامرة الأعداء اهزمي ولأبواب الجحيم اغلقي لئلا يبتلعوا نفسي يا عروس بلا عيب للختن الحقيقي)
أسعد لحظات حياتها :و يبدو أن السيد المسيح له المجد لم يكن يتركها فترات الليل أو النهار بل وقد تيقنت أنه في شهورها الأخيرة كان معها كل لحظة. بل كان يأخذها وينطلق بها فترات طويلة خارج الجسد وخارج نطاق هذا العالم، ليعطيها فترات راحة وسعادة وتعزية مشابهة بذلك القديس يوحنا الرائي فيما قد أعد له وهو منفى في جزيرة بطمس .
فيحكى زوجها قائلا "في صبيحة أحد الأيام استيقظنا صباحا فوجدنا راحلتنا الكريمة في حالة غيبوبة، لا هي متيقظة ولا هي نائمة، وبينما نحن نفكر في هذا الأمر المحير جاءت إلينا الطبيبة "مفيدة معوض" (و هي صديقة مخلصة وكانت تتردد عليها كثيرا وقت الفرح والألم)، ولما فحصت الحالة تعجبت جدا وتحيرت هي الأخرى، فحالتها ليست بصورة الغيبوبة المعروفة ولا هي بحالة الموت أو الحياة؟ وظلت تمارس معها كل الوسائل الطبية لتفيق وتنتبه، وبعد حوالي نصف ساعة فتحت عينها فجأة. فبادرتها الدكتورة "إيه الحكاية يا فوزية انت كنت فين وحصل معك إيه؟" فردت عليها "إنتوا دلوقت قطعتوا على أسعد لحظات حياتي" ولكنها لم تصف شئ أكثر من ذلك.
يسوع يريها الأمجاد السماوية :إلا أنها في الليلة التالية أيقظتني بصوتها وهي شبه نائمة وكانت تتكلم بصوت مسموع وواضح وتقول "غريب خالص اليوم اللي فات ده إبتدا برحلة غريبة خالص من غير آي ألم ودى أول مرة أعيش فيها ساعات من غير آي ألم من شهور طويلة وشعرت بسعادة كاملة غير آي سعادة شفتها، سعادة من نوع جديد على متتوصفش وأكثر من كده شفت يسوع الصبح بدرى وقال لي "إنت من بناتي اللي بحبهم واللي بأحبه أكبر له إكليله ، شوفي الإكليل بتاعك جه على أدك مضبوط وفستانك السماوى جاهز ومكانك إتعد خلاص.. باريت ما تروحيش للأرض ولا ترجعى لجسدك تانى، وكمان اللي بيحبنى بصحيح يتحملنى ويقبل منى كل شئ". وكنت شاعرة زي ما أكون خفيت خالص لغاية ما تركت العالم فعلا وعبرته لمدة لحظات ما أقدرش أعرفها أد إيه أو أصفها أبدا، وحسيت إن كل آلامي وأتعابي كلها خلعتها علشان أتهيأ للبس الثوب الأبيض بتاع السماء، كنت في منتهى الفرح وبعدها دخلت الدكتورة /مفيدة وقالت ليهم انتم دلوقت قطعتوا على أسعد لحظات حياتي. والدكتورة افتكرتني في غيبوبة. أبدا ، أبدا ، أنا كنت بأعبر الحياة والعالم، وورانى يسوع حلاوة العبور علشان أطمئن في ساعة إنتقالى اللي هي قربت خلاص.
ليس موت لعبيدك :و كانت بعدها قد كررت نفس هذه المعاني لزوجها وهي متيقظة بالنهار قائلة " أنا أشكر اللـه خالص علشان الحاجة الوحيدة اللي كنت خايفة منها هي لحظات الموت، ولكن شوف يا أنسى إزاى محبة ربنا أطلقتنى من جسدي وعبر بي الحياة والعالم، وعرفني إن ساعة الانتقال دى هي بالعكس ساعة فرح وانطلاق مع المسيح، وبعدها أنا مش خايفة أبدا، لأنى شفت أد إيه حلوة وجميلة"، بل إنها كانت تقول لزوجها دائما "يا أنسى خذها قاعدة اليوم اللي تلاقيني فيه متألمة زيادة إفرح لي، لأنه مفرحنى زيادة بطرق ما أقدرش أعبر عنها، طرق فوق الوصف لأنه يعلن لي ذاته كل يوم".
فكانت تشتهى أن تقسو الآلام دائما حتى تكثر تعزياتها السمائية وفي إحدى المرات قالت "أشكرك يا ربى لأن ضيقتي دى ورتنى جمالك اللي فوق جمال كل البشر، أنا شفت كثير وإنت أعطتني كتير وفحت كتير لكن كل الفرح ده كان محدود وينتهى بسرعة لكن فرحى بيك إنت هو اللي في زيادة على طول فرح باقي للأبد، ولولا الفرح ده أنا ماكنتش أستحمل لحظة واحدة من الآمى الشديدة اللي أقاسيها كل لحظة من الشهور الطويلة دى".
إتفاق على موعد الإنطلاق :يوم 4 يناير 1984 وفي الصباح الباكر الذي ثقلت فيه الآلام جدا أشارت لزوجها قائلة (تعالى يا أنسى عندي كلام هقوله لك ومتزعلش، أنا الليلة دى كنت مع المسيح وقال لي "إنت كفاية عليك، أخذت إكليل الآمك كله، وإن كنت تحبى تيجى عندي أنا مستعد .. لكنى قلت له .. معلش يا يسوع، صحيح الألم دلوقت فوق طاقتي شديدة خالص، لولا ما إنت ساندنى لكن انت عارف أد إيه أنا بحب ولادى ومستعدة أحتمل علشانهم، ونفسي يعيدوا لك عيد الميلاد وعيد الغطاس كمان وبعدها ينبسطوا مع زملائهم في الكنيسة في أجازة نص السنة، وأحب أكون عندك، علشان الأولاد يدخلوا كلياتهم تانى يوم." ويسوع وافقني على الكلام ده ووعدني إنه يتممه معايا. فأنا يوم الجمعة آخر أجازة نص السنة ها أروح السماء عنده، إنت موافق ولا زعلان يا أنسى؟ ) فتمالك الرجل نفسه وبالجهد إستطاع أن يرد بعدما التقت أنفاسه "معقول يا فوزية، الشيء اللي وافق عليه يسوع أعترض أنا عليه ، لتكن مشيئته"
وقد كمل الرب وعده معها وأطلقها من جسدها بسلام في يوم ما الجمعة 27 يناير في اليوم والساعة التى اتفقت فيه مع حبيبها "لأنه ليس شئ غير ممكن لدى اللـه".
(حقا ما أعجب هذا الحدث الختامي والإكرام الإلهي لمن أكرمت الرب طيلة حياتها وارتضت قسوة الصليب، نحن نسمع كثيرا عن أبرار يكشف لهم الرب يوم انتقالهم، لكن ها نحن نسمع عن سيدة علمانية تحدد للرب يوم انتقالها؟ وكأنهم صديقان قد وقعا معاهدة على موعد الإنطلاق، كما اننى أقف متحيرا أمام محبتها العميقة الباذلة التى أدت بها إلى تأجيل يوم الرحيل تلك اللحظة التى طالما يتمناها مريض السرطان بالأخص، فلقد قبلت الآلام والأوجاع مدة أخرى حتى لا تعكر صفو أسرتها وسعادتهم في أيام الأعياد والأجازات فصارت ذبيحتها استشهاد يومي فاستحقت الإكرام من خالق الكون وفاديه، فمن تكون هذه النفس التى تخضع لطلبها يا رب وتؤجل يوم انتقالها؟ إنى متحير من حبك العجيب ، صداقتك الوطيدة أمام تلك النفس البارة )
وصيتها الأخيرة :قبل انتقالها بأيام قليلة أوصت زوجها قائلة " طبعا إنت عارف يا أنسى إنى يوم الجمعة مسافرة للسماء، باريت تخلى أبونا كيرلس والشمامسة يزفونى بلحن ابؤرو علشان أنا يوم إكليلي الأرضي اتزفيت باللحن ده، فما بالك وأنا رايحة للسماء عند يسوع، وكمان يوم الثالث بتاعى موافق يوم الأحد، أوعى ما تلبسش شماس وتقف جنب معلم الكنيسة، صلى عادى خالص ولا كأن فيه حاجة حصلت." وهكذا تمم لها زوجها جميع ما أوصته به.
هي ترعانا بصلواتها :إن شعور أسرتها الدائم أنها لم تغب عنهم لحظة واحدة، بل دائما تحس بهم وأنهم يشعرون ببركتها وصلواتها الدائمة عنهم. وقد أخبرني زوجها أنه كثيرا ما يراها (ربما في أحلام سماوية) كما لو كانت بالفردوس وتطمئنه على حالها ودائما تقول له "أنا تمام وكويسة، أنا سبتكم وأنا مطمئنة عليكم ، المسيح يبارككم ويكون معاكم، ولسه ها يبارككم أكثر وأكثر"
ظهور عجيب :إحتاج زوجها لمن يخدم بيته وأولاده بعد رحيلها حيث قد أحدث حيلها فراغا كبيرا وانقلابا هائلا في كل جوانب حياتهم، وقد طلب من شغالة تقية أن تعتني بخدمة بيته فقالت له الشغالة "سبنى أقضي الليلة دى معاكم وأعرف مشيئة اللـه بالنسبة لأمر خدمتكم..!" وظلت تلك السيدة طيلة الليلة تصلى وبينما هي تتضرع للرب حتى يكشف مشيئته بخصوص خدمتها لهم إذ بالقديسة فوزية إسحق تظهر لها قائلة "إنت اشتغلت ثلاث شغلانات وأنا اللي خرجتك منهم علشان تيجى هنا وتخدمى أولادي وجوزي في الوقت المناسب، وأنا حبيت أطمنك علشان ما تخافيش أو تقلقي من حاجة".
ثم ظهرت أختها التقية "جوليا إسحق" وقالت للشغالة ".. لسه أختي فوزية بتوصيك على ولادها وجوزها وتطمنك علشان ما تتردديش في خدمتهم"
و في صباح اليوم التالي أخبرت الشغالة الدكتور أنسى بجميع ما رأته من ظهورات مباركة ووصفت القديستين وصفا دقيقا، ووافقت على خدمتهم لأنها عرفت مشيئة اللـه. وكثيرا ما كانت تراها تلك الشغالة التقية وهي تنتقل من حجرة لأخرى بالمنزل وكأنها تباركهم وتطمئن على حالهم.
بركة صلواتها فلتكن معنا جميعا آمين.
عن كتاب قديسة معاصرة – المتنيحة البارة فوزية اسحق –