راحة القلب
لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة .. مع الشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله، وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع ( في 4: 6 ، 7)
هذه هي راحة القلب الحقيقية التي يريد الله أن ينعم بها علينا في كل الأوقات. فمهما تكن حالتنا، لنا الحق أن نتمتع براحة القلب لأننا مدعوون أن نلقي كل همومنا على مَنْ يرضى أن يحملها، كما أنه يقدر أن يحملها بالنيابة عنا «إلقِ على الرب همك» وماذا إذًا؟ هل يزيله؟ كلا، بل «فهو يعولك» وهذا أفضل. كثيرًا ما يشتاق القلب أن يُزاح عنه حمله بالكُلية، ولكنها نعمة أعظم من الرب أنه يعولنا، وهذا هو سر راحة القلب لأنه يأتي بنا إلى اتصال أوثق مع الرب، وهذا هو ما نحتاج إليه. إن الرب في محبته الشديدة يريد أن يعمل مُبادلة معنا؛ فيأخذ هو همنا ويعطينا نحن سلامه. ويا لها من مُبادلة عجيبة. فهو لا يريدنا أن نحمل همًا واحدًا في قلوبنا، بل يريد أن يحرر قلوبنا من كل هم كما حرر ضمائرنا من كل ذنب.
ويا لها من نعمة عظيمة أن الله يشغل نفسه بنا بهذا المقدار! فهو يشغل نفسه حتى بضعفاتنا وسقطاتنا لكي يخلصنا منها، وهو يشغل نفسه أيضًا بهمومنا لكي يُريحنا منها ويملأ قلوبنا بسلامه الفائق. فكأنه يقول لنا بأصرح عبارة: أعطني همك مهما يكن ذلك الهم كبيرًا أم صغيرًا، أعطني إياه وأنا أعطيك بدلاً منه سلامي الذي يفوق كل عقل. فلماذا نحتفظ بهمومنا، بينما الله يريد أن يأخذها منا؟ لماذا نهتم بأنفسنا، بينما الله هو الذي يعتني بنا؟
وما هي نتيجة كل هذا؟ وإلى أي شيء يقود؟ هل تبقى قلوبنا بعد أن تفرغت من كل هم بدون غرض أو مشغولية؟ كلا، بل قد أعطانا الله ـ تبارك اسمه ـ مشغولية أسمى «أخيرًا أيها الإخوة كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسرّ، كل ما صيته حسن، إن كان فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا. وما تعلمتموه، وتسلمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه فيَّ، فهذا افعلوا، وإله السلام يكون معكم» ( في 4: 8 ، 9). هذه هي النتيجة المباركة التي يقود الروح القدس نفوسنا إليها إذ يأتي بنا إلى إله السلام. فإذ قد حرر قلوبنا من كل هم وأعطانا سلامه، يقدم نفسه لنا كالغرض الذي تتمتع به قلوبنا الهادئة. وبعبارة أخرى عوضًا عن الهم لنا سلام، وعوضًا عن الذات لنا الله.